جيل حلم يوليو- كابوس يونيو كان يعانى من عدة أمراض انتقلت عبر الجينات الوراثية وأيضاً عبر العدوى المباشرة إلى الأجيال التالية التى تأثرت واقتدت به، والتى نرجو ونناشد الجيل الجديد أن يشفى منها ويلفظها ويعالجها، لأن بناء مجتمع حر عاقل قوى لن يتم إلا على أنقاض هذا الجيل وأنقاض جيلنا أيضاً الذى عاش زمناً طويلاً تحت سطوة التنويم المغناطيسى لجيل الحلم والكابوس مثله مثل أهل الكهف الإغريقى الذين عاشوا وظهورهم إلى فتحة الكهف التى يتسلل منها الضوء، أعينهم مشدودة إلى الجدار حيث يرون ظلال من يتحركون خارج الكهف فيظنون أن الحياة هى هذه الأشباح على الجدار، لم يفكروا ولو مرة أن يديروا أعناقهم حيث فتحة الكهف ونور الشمس ولمعة وبريق الأفق.

جيل الفاترينات، ظل أسير فكر الفاترينة، واجهة العرض المزينة بالألوان والأضواء التى تعرض على رفوفها شعارات عظيمة ورنانة، اشتراها هذا الجيل وباعها وتاجر فيها واستفاد منها ونحر وذبح أيضاً بنصلها الحاد المسنون، شعار القومية العربية، الاشتراكية، الوحدة، تحالف قوى الشعب العامل، الشرعيه الثورية، القاهر والظافر...... إلخ،

شعارات حق نفذت على باطل. رداء القومية العربية عرض فى الفاترينة على أكثر من موديل، تارة يكتب تحت السعر شتيمة فى جدود ملك السعودية، وتارة تشطب لصالح سباب فى والدة ملك الأردن، وبين الشتيمة والسباب تخوين لهؤلاء واتهامات بالعمالة لأولئك وتورط فى رمال اليمن المتحركة، حيث كانت تعلق رقاب ضباطنا على أبواب الخيام بعد اصطيادهم ببنادق الأصدقاء!!، كان جيل الفاترينات يصفق ويدبج مديحاً وإطراء على مباريات الردح فى ملعب القومية العربية الذى كانت تجرى فيه مباراة حامية الوطيس ولكنها مباراة بين جثتين!.

لم يسأل واحد من أبناء جيل الفاترينات نفسه سؤالاً مشروعاً فى منتهى البساطة، لماذا تخلى العامل ابن الاشتراكية بكل هذه السهولة أيام انفتاح السادات السداح مداح وفرط فى ماكينته ومصنعه واشتراكيته وذهب ليتاجر فى الشامبوهات ومساحيق الغسيل على أرصفة بور سعيد؟!!،

هل كان مقتنعاً حتى النخاع بهذا الشعار أم أنه كان مجرد ثرثرة ببغاء وطق حنك ثورى وحبات دقيق سرعان ما نثرها هواء الانفتاح البراح، لم يكن شعار الاشتراكية وشماً لا ينزع إلا بالدم، بل كان أمراً فوقياً سلطوياً عليه ختم النسر لا ختم الاقتناع، غنى الجيل حنزمر لك كدهه.. ونطبل لك كدهه.. ونقول لك ياعديم الاشتراكية!!، أصبحت الاشتراكية عدماً فى لحظة لأنها أعدمت يوم ميلادها، كانت اشتراكية تايوانى مستوردة، بضاعة لا تنفذ إلى العقل والقلب ولا تتجاوز حناجر الغناء.

حلم الوحدة استيقظنا منه على كابوس دولة البطش والمخابرات وصراع الصديقين اللدودين، الزعيم الرسمى اكتشف أن هناك زعيماً يترأس حكومة الظل المخابراتية، أبقى عليه لزوم العشرة وأيام الفالوجا الحلوة اللى ماتتنسيش، والعيش والملح... إلى آخر هذه المصطلحات التى لا تجدى فى ميدان السياسة بل تنفع فى ميدان رمسيس على أحد المقاهى، فالشعب يستيقظ على كابوس يونيو لكى يرى صديقين يتراشقان ويتبادلان الاتهامات وعندما يسأل لماذا ظل الأول متمسكاً بالثانى فيكون الرد: ماتنساش العيش والملح!!.

الجيل انقسم فريقين، الأول سار وراء الزعيم، والثانى سار وراء صديق الزعيم، وللأسف خفت صوت الفريق الثالث الذى كفر بالاثنين وظل يبحث عن مصر، عن الوطن خلف ضباب المعارك الشخصية الرخيصة، فوجده قد هزم وذبح من الوريد إلى الوريد، وعاد أبناؤه حفاة منكسى الرؤوس بأسمال بالية وشعر أشعث وأرواح مجروحة، تزفهم كلمات أحمد سعيد التى تبشرهم بأنهم على أبواب تل أبيب، وتزغرد لهم أنغام حليم التى تطمئنهم ولا يهمك من الأمريكان ياريس!.